الموقع والبناء :
تقع مدينة صنعاء بين جبلين مشهورين هما : نقم الذي يسورها من الشرق وعيبان الذي يسورها من الغرب والجنوب الغربي وعلى خط عرض 15.22 وخط طول 32.44 وهي قديمة الإختطاط أزلية البناء يقال أنها أول مدينة بنيت بعد الطوفان والباني لها سام بن نوح . ويرى بعض المؤرخين أنها تقع " عند ملتقى ثلاث قبائل وهي : " بني الحارث " من الشمال و " سنحان " من الجنوب و " بني مطر " من الغرب .
ويؤكد أبن المجاور ( أن شيت بن آدم عليه السلام بنى مدينة صنعاء وغرس بظاهرها بستانين أحدهما أيمن الدرب والثاني أيسره ، وهما بطول من صنعاء
إلى العراق مسيرة سبعة أيام ولتأسيس صنعاء حادثة تاريخية تتفق عليها
المصادر التاريخية التي تؤرخ لها ، تذكر : أنه لما توفي نوح عليه السلام
أجتوى أبنه سام السكنى في أرض الشمال وإصابه ألم فأقبل طالعاً في الجنوب
يرتاد أطيب البلاد حتى صار إلى اليمن فوجده
أطيب مسكناً خفيف الماء معتدل الأرض وحين نزل صنعاء زال عنه الألم
وحينئذٍ وضع مقرانه " وهو الخيط الذي يقدر به البناء إذا مدّه بموضع
الأساس من ناحية
فج عطان في غربي حقل صنعاء مما يلي عيبان فبنا الظبر ، فلما أرتفع بعث
الله طائراً فأختطف المقرانه وطار بها وتبعه سام لينظر أين وقع فأم بها
إلى جبوب النعيم من سفح نقم فوقع بها ، فلما أرهقه طار بها فطرحها على حرة غمدان ، فلما قرت المقرانة على حرة غمدان علم سام أن قد أمر بالبناء هنالك فأسس غمدان ، وأحتفر بئرة وتسمى كرامة وهي سقاً إلى اليوم وصعد على جبل نقم وقال لأهله وأشياعه وأتباعه : ليعمر كل منكم مسكناً يسكنه : فعمرت الخلق المساكن فرجعت مدينة طولها وعرضها مسير سبع فراسخ .
ويقول الهمداني : هي أم اليمن وقطبها لأنها في وسط منها ما بينها وبين عدن كما بينها وبين حد اليمن من أرض نجد والحجاز ، وكان أسمها في السابق آزال وكان من أشهر مبانيها قصر غمدان أول قصور اليمن وهو قصر كان بديع الصنعة شامخ البنيان أعجبها ذكراً وأبعدها صيتاً وهو في صنعاء كان مكوناً من عشرين سقفاً , وكان فيها بين كل سقفين عشرة أذرع ، وكانت غرفة الرأس العليا مجلس الملك اثنتي عشرة ذراعاً عليها حجر من رخام ، وكان في زواياه الأربع أربعة أسود من نحاس
أصفر خارجة بدروها فإذا هبت الرياح في أجوافها زأرت كما يزأر الأسد ،
وكانت حمير تنزله وتزيد فيه حتى أخرب في أيام عثمان بن عفان . ويرى أبن
المجاور : أن أول من ابتدأ في بنائه سام بن نوح لما بنا صنعاء ويقال : سليمان بن داود عليهما السلام لما دخل اليمن يتزوج الملكة بلقيس وكانت التبابعة من ملوك حمير لهم رغبة نفسية وهمة عالية في عمارته ، وكل ملك منهم كان يعلي قصراً على قصر حتى أرتفعت تلك القصور أثنتين وسبعين سقفاً ويقال ثلاثة وتسعين سقفاً ،وآخر من بنى به أسعد الكامل ويقال أسعد الخزاعي قصر من زجاج وهو الخاتمة ، ويقال أن أواخر
فيء قصر غمدان كان يصل إلى وادي ظهر وهي مسافة فرسخ زائد لا ناقص قال ابن
المجاور : إذا قربت الشمس للغروب لأن في مثل ذلك الحين يكون الظل و الفيء
إلى أن يرجع مثل الشيء ثلاث أربع مرات ، وممن بنا فيه إمرأة تسمى الزباء .
تسمية صنعاء ونسبها :
لم يكن أسم صنعاء معروفاً به في العصور القديمة ، فقد نسبت إلى مؤسسها سام
بن نوح ، وكان يطلق عليها في الجاهلية أسم آزال نسبة إلى آزال بن يقطن ،
وظلت تسمية آزال حتى دخلها الأحباش سنة 340 للميلاد وكان كلامهم يقولون :
صُنعت وصَـنَعت . وتذكر المصادر الأثرية بأن أسم صنعاء أتى مع دخول الأحباش
الذين وجدوها مبنية بحجارة حصينة فقالوا :
هذه صنعة ومعناها حصينة فسميت صنعاء بذلك . وهناك من ينسبها إلى صنعاء بن يقطن بن العبير بن عامر بن شال . وقد تخطت ثلاثة أطوار في عصور مختلفة : الأول طور التكوين ، وسميت باسم بانيها سام بن نوح ، الطور الثاني سميت آزال محتفظة باسمها الأول والطور الثالث باسم صنعاء وقد احتفظت بالأسماء الثلاثة .
سور صنعاء وأبوابها :
ما تزال الحكايات الصنعانية عن سور صنعاء مروية حتى يومنا هذا ... وتذكر المصادر أن من أدار سورها الملك الأغر علي بن محمد ابن علي المعلم الصليحي بالحجر والجص وركب عليه سبعة أبواب باب غمدان ينفذ إلى اليمن وباب دمشق ينفذ إلى مكة ، وباب الشيخة ينفذ إلى محلة الشيخة ، وباب خندق الأعلى يدخل منه السيل ، وباب خندق الأسفل يخرج منه السيل يسقي الأرض ، وباب النصر ينفذ إلى جبل نقم وبراش ، وباب شرعة وينفذ إلى بستـان السّر.
وتذكر بعض الروايات أن السور ينسب إلى الملك ( شعرم أوتر ) وهو أول من
أداره وقد جعل فيه تسعة أبواب وأن أعلى السور كانت تمشي فيه ثمانية خيول
مجتمعة كما شاهد ذلك الرحالة الإيطالي في القرن التاسع الهجري ولم تقف
الروايات عن سورها وأبوابه عند هذا الحد بل ذهبت إلى أن ( شعرم أوتر ) هو الذي أوصل
بنيات القصور وأحاط على صنعاء بحافظ ، وقد تعرض للخراب مراراً أحدهما على
يد يوسف بن يحيى بن أحمد الناصر بن الإمام الهادي وقد إعادة قيس الهمداني
، كما أن السلطان حاتم بن أحمد اليامي من أعيان المئة السادسة أمر بهدمه أثناء حروبه مع الإمام أحمد بن سليمان ، فلما جاء السلطان ( طغتكين بن أيوب ) إلى اليمن أعاده وأدخل الحي الذي استحدثه لنفسه وأهله وحاشيته ومنه
بستان السلطان المعروف اليوم ، وقد أخربها ( المتطرّف ) عبدالله بن حمزة
المتوفى سنة 614 هـ . و تذكر المصادر المتأخرة بل المعاصرة أن ستة أبواب
كانت بصنعاء وهي المعروفة بيننا اليوم وهي : باب ستران ، وباب اليمن ( وكان ملتوياً فلا يرى الخارج منه
شاكلة باب مدينة زبيد الموجود ) وقد هدمه أحمد فيضي باشا القائد العثماني
سنة 1316هـ وأعدا بناؤه على ما هو عليه اليوم وباب السبحة . وكان في هذا
السور عدد كبير من
الأبراج متساوية المسافة وكان في وسط السور ممر لفارسين يمشيان معاً ،
وكان يستعمل – أحياناً – لعربات المدافع عند الحاجة لحماية العاصمة ويذكر
لنا القاضي محمد بن علي الأكوع الحوالي ، أن أبواباً قد أحدثت على ما ذُكر
وهي : باب القصر ، باب البلقة ، وباب الروم ، وباب القاع ، وقد أحدثت
حينما بني حي بير العزب ويعيد ذلك إلى القرن الثاني عشر الهجري أو قبله .
الأسواق والحرف :
تعددت الأسواق في صنعاء بتعدد الحِرف والمهن التي احترفها سكانها ونظراً
لتعددها فقد ذكرت بعض الروايات بأن صنعاء سميت بهذا الأسم لكثرة الصناعات
فيها وقد سميت هذه الأسواق بأسماء الصنعة التي تزاول في المكان وهي كما يلي
:- 1) سوق المحدادة 2) سوق المنجارة 3) سوق المنقالة
4) سوق البشامق 5) سوق السراجين 6) سوق العنب 7) سوق الكوافي سوق
الأقطاب ( أقطاب المدايع ) 9) سوق المراقعة 10) سوق المدايع 11) سوق القص
12) سوق السلب 13) سوق المبساطة 14) سوق البز 15) سوق المعطارة 16) سوق
الحب 17) سوق اللقمة ( الخبز) 18) سوق السمن 19)
سوق القات 20) سوق المصباغة 21) سوق المخلاص (الفضة) 22) سوق الزبيب 23)
سوق النظارة ( يباع فيه السليط ، القاز ، والحناء ، والقرض) 24) سوق
الفتلة 25) سوق المدر والأوطفة 26) سوق الحمير 27) سوق البقر 28) سوق الحطب 29) سوق النحاس 30) سوق الملح .
وهذا سوق الفضه
سوق النحاس
سوق الجنابي
سوق الحبوب والبهارات والزبيب
العقيق اليماني ..بألوانه الزاهية
صنعاء ... عاصمة
• عبر العصور كانت صنعاء وما زالت عاصمة محورية لأرض اليمن السعيد فكانت عاصمة للملك ( شعرم أوتر ) في القرن الثاني الميلادي الذي وحّد قصرا : سلحين في مأرب وغمدان في صنعاء في قصر واحد ( بمعنى أنه وحد حكم جهتين يمنتين في دولة واحد ) فقد كان قصر سلحين قصراً للعائلة التقليدية الحاكمة في مأرب ، إبان الصراع على اللقب الملكي اليمني ملك سبأ وذي ريدان ( أي ملك سبأ وحمير ) كما كان قصر غمدان في صنعاء مقراً للملوك من قبيلة ( ذي جرة ) ومحلها اليوم سنحان قرب جبل كنن .
• وتكرر هذا التوحيد في ذكر القصرين – في النقوش – غمدان وسلحين في منتصف القرن الثالث الميلادي في عهد الملك ( إلى شرح يحصب ) ملك سبأ وذي ريدان وكان ذكر صنعاء وجميع المدن اليمنية
الأخرى قد أزيح إلى الظل عند قيام دولة حمير الكبرى واتخاذها مدينة ظفار
قرب قاع الحقل عاصمة لها في عهد الملك الحميري أسعد الكامل وهو أحد موحدي
اليمن وإن تغيرة العاصمة .
• ثم أتخذها ابرهة الحبشي عاصمة لدولته ، وبنى بها كنيسة القليس وزينها بالرخام والفسيفساء وأراد نقل الكعبة ليحج إليها العرب .
• وبعد خروج الاحباش أصحبت صنعاء عاصمة للملك سيف بن ذي يزن أحد موحدي اليمن وقد وفد إلى صنعاء وفد وجوه قريش برئاسة عبدالمطلب جد الرسول العربي العظيم محمد صلى الله عليه وسلم لتهنئته بالظفر على الأحباش .
• وفي العهد الاسلامي توفرت لصنعاء الشروط الاساسية لاقامة مجتمع حضري بكل أدواته من :
جامع ، ومدرسة ، وحمام ، وسوق ، ومعمار جميل وأدب جيد وظرف حسن وسماع
(شعر) مشهور عرف بعد ذلك بالغناء الصنعاني وفي الوقت نفسه حافظت على مكانت
ماضيها فانتعشت اسواقها التقليدية واشتهرت بتنوع بضاعتها وجودة صنعتها ،
وحرص حكامها على مكانتها السياسية فاتخذت مقراً لهم وحاضرة لدولهم .
هذه بقايا القليس وهي الكنيسة التي بناها وزينها في اليمن أبرهة الحبشي ليحج إليها العرب بدلا من الكعبة
• وكانت صنعاء عاصمة إقليم اليمن في العصر العباسي ففي عام 140هـ قدم إلى اليمن / معن بن زائدة والياً على اليمن واتخذ من صنعاء عاصمة لحكمة وعين أحد قرابته نائباً عنه بحضرموت .
• كما اتخذها حماد البربري عاصمة له بعد أن هزم الهيصم بن عبد الرحمن الهمداني في تهامة ووصل إلى صنعاء التي كانت عاصمة ولات بني العباسي ووحدت اليمن على يد المتوكل على الله اسماعيل بن القاسم الرسي 1054-1087هـ من حدود عمان حتى نجد وطوّق الحرمين .
• وحين كان الصراع بين المد السلفي والإشراف في جازان وأبي عريش أواخر عام 1215 وأوائل 1216هـ كانت صنعاء عاصمة للأمام المنصور على بن عباس ، ونزح إليها الشريف حمود بن محمد آل خيرات هرباً من الدعوة السلفية مثله مثل كثير من الإشراف الذي ضاقت بهم مكة والمدينة المنورة ، ويذكر د / سيد أن الإشراف آل القطبي كانوا جميعاً يستمدون شرعيه حكمهم من إمام صنعاء باعتبار أن الأقليم جزء من اليمن ، وقد تسلم الشريف حمود بن محمد آل خيرات المشهود بأبي مسمار الحكم في أبي عريش مركز المخلاف السليماني من قبل الامام المنصور إمام صنعاء .
• وفي بداية القرن العشرين آلة صنعاء عاصمة للإمام يحيى بعد أن سلمها أليه الاتراك عند رحيلهم بعد الحرب العالمية الأولى حيث فضل الاتراك تسليم اليمن
للإمام يحيى بدلاً عن الانجليز الذين كانوا يحتلون عدن ، وقد دعى الوالي
العثماني على سعيد باشا الامام إلى دخول صنعاء وسلمه قصر غمدان وما يحويه من معدات عسكرية .
العمارة والهوية
ومن مزايا المنازل الصنعانية تشابه تخطيطاتها إلى حد كبير من حيث
التقسيمات الداخلية ومساحات الوحدات ومسمياتها ووظائفها، كما تتميز
باستخدام مادة الحجر في بناء الأساسيات والطابقين الأرضي والأول؛ لتحمل الضغط الواقع عليهما من الطوابق العلوية، وكذلك لمقاومة السيول والرطوبة؛ نظرًا لكثرة أمطار اليمن، وتصميم واجهات الدور بما يناسب حركة الشمس.
وقسمت المدينة القديمة إلى حارات (أحياء) تضم كل واحدة مجموعة من المنازل، يتوسطها بستان كمتنفس للسكان ومصدر للخضراوات.
وكان لصنعاء سور منيع
وأبراج محصنة، وما تزال بعض أجزائه قائمة، وكان به أربع بوابات رئيسية
يتم غلقها كل ليلة بعد صلاة العشاء إلى الصباح، وما يزال باب اليمن في أحسن حالاته.
ولهذا أصبحت صنعاء القديمة ملكًا للإنسانية وتهتم لأمرها المنظمات الدولية المتخصصة؛ حيث أعلنتها اليونسكو محمية عالمية، وشكلت لجنة دولية للحفاظ عليها، ودعمت إقامة العديد من المشاريع والمدارس والمعاهد الفنية التي تهدف لتخريج فنيين متخصصين في الحفاظ على هوية المدينة ومعالمها الأصلية.
*
*
*
الديوان الصنعاني من الداخل
وقد تولت منظمة اليونسكو ترميم بعض البيوت التي تساقطت واجهاتها بفعل عوامل التعرية، وتمت تكسية الشوارع بالأحجار ضمن الحملة الدولية لحماية صنعاء القديمة.
ومن جانبها، أصدرت الحكومة اليمنية قانونًا يحرّم تشويه المدينة بالأبنية الخرسانية.
ولهذا لم يكن غريبًا أن يتم اختيار صنعاء القديمة ضمن أهم خمسة وعشرين معلمًا أثريًّا وسياحيًّا في العالم؛ لتختار منها عجائب الدنيا السبع الجديدة للألفية الثالثة
صنعاء في خلد الشعراء :
ما كان لشاعر وطأت قدماه صنعاء إلا أن يبوح بما نفخت فيه من روحها فأخرجه خلجات من السحر الجميل المسمى شعراً معجونا ًبأنفاسها الأريجية ، وعبر العصور المتعاقبة منذ عهد التبابعة الحميريين إلى عصرنا الحاضر ، فهذا الملك التبع يقول :
دارنا الدار ما ترام اهتضاما : من عدو ودارنا خير دار
إن قحطان إذا بناها : بين برية وبين بحار ( جبال )
إن آثارنا تدل علينا : فأنظروا بعدنا إلى الآثار
وقال الشاعر عدي بن زيد الحيري العبادي وهو شاعر قديم :
ما بعد صنعاء كان يعمرها : ولاة ملك جزل مواهبها
رفعها من بنى قزع المز : ن وتتدلى مسكاً محاربها
محفوفة بالجبال دون عر : ي الكائد ما يرتقي غواربها
كما قال الشاعر الصنعاني عبدالرحمن بن محمد الحيمي :
صنعاء إن كنت معشوقاً يمسكنها : فأعدد لها من دوات الحاء مارسما
حِبُ وحَبُ ُوحمام مع حطب : حصيرة وحمار حِرْفةَّ وحما
وقال أبو نواس :
فنحن أرباب ناعط ولنا : صنعاء والمسك في محاربها
وقال الشاعر أبو بكر محمد بن أفنونة :
حبذا أنت يا صنعاء ، من بلد : وحبذا عيشك الفض الذي اندرجا
ارض كأن ثرى الكافور تربتها : وماؤها الرّاح بالماء الذي مرجا
يهدي إلى الشم أنفاس الرياح بها : ما هبّت الريح فيها العنبر الأرجا
ولعل شعراء الحميني أكثر الشعراء تغزلاً بصنعاء وهوائها ومسكنها وما زالت قصائدة متداولة بين الناس منذ قرنين من الزمان ولعل أحمد بن حسين المفتي كان رائد أولئك الشعراء في وصف صنعاء بقوله :
ما مثل صنعاء اليمن كلا ولا أهلها
صنعاء حوت كل فن يا سعد من حلها
ينفي جميع الشجن ثلاث في سفحها
الماء وخضرة رباها الفايقة بالوسامة
وكل معنى حسن كم يضحك الزهر
فيها من بكاء الغمامة : فيا سقاها وطن
وهذا الشاعر علي بن محمد العنسي المتوفى 1139هـ - 1736م يهيم بصنعاء ساعياً على الرأس إلى تلك المحبوبة الفاتنة قائلاً :
يا أحبة ربى صنعاء رعى الله صنعاء
كيف ذاك الربى لازال للغيد مرعى
لويقع لي إليه أسعى على الرأس لأسعى
يابروحي نجح روحي بلابل وأشجان
ليت شعري متى شالقي عصاة المسافر
وأي حين شايعود لي عيش قد كان نافر
وأي حين شاتخطر بين تلك المناظر
هو قريب ذا على الله أن يقل له يكن كان
أما الشاعر القاضي عبدالرحمن الآنسي فقد نفذ من خلال صنعاء إلى ذكر سكانها فقال :
عن ساكني صنعاء حديثك هات وافوج النسيم
وخفف المسعى وقف كي يفهم القلب الكليم
هل عهدنا يرعى وما يرعى العهود إلا الكريم
وسرنا مكتوم لديهم أم معرض للظهور
تبدلوا عنّا وقالوا عندنا منهم بديل
والله ما حلنا ولا ملنا عن العهد الأصيل
ما بعدهم عنا يغيرنا ولو طال الطويل
وما كان لعصر من العصور أن يمضي إلا وقد وضع شعراؤه على صدر صنعاء قلائد من اشعارهم ومن أهم شعرائنا المعاصرين الذين وضعوا قلائدهم على صنعاء الشاعر الدكتور / عبدالعزيز المقالح الذي خصها بديوان كامل من قصائده المبكرة عن صنعاء. وهو بعيد عنها نختار قوله :
يوماً تغني في منافينا القدر:
( لا بد من صنعاء وإن طال السفر )
لا بد منها .. حبنا .. أشواقها:
تدوي حوالينا : إلى أين المفر؟
إنا حملنا حزنها وجراحها
تحت الجفون فأورقت وازكى الثمر
وبكل مقهى قد شربنا دمعها
الله ما أحلى الدموع وما أمر
وعلى المواويل الحزينة كم بكت
أعماقنا وتمزقت فوق الوتر
ولكم رقصنا في ليالي بؤسنا
رقص الطيور تخلعت عنها الشجر
صنعاء وإن أغفت على أحزانها
حيناً وطال بها التبلد والخدر
سيثور في وجه الظلام صباحها
حتما ويغسل جدبها يوماً مطر
ومن مقتطفات لنفس الأديب في قصيدة اخرى عام 1972م :
للحب فوق رمالها طلل
من حوله نبكي ونحتفل
نقشته كف الشوق في دمنا
وطوته في أعماقنا المقل
هو حلمنا الباقي ومعبدنا
وصلاتنا والحب والغزل
من أجلها تصفو مودتنا
ولحبها نشقى ونقتتل
صنعاء يا أنشودة عبقت
وأجاد في إنشادها الأزل
إن أبعدتي عنك عاصفة
وتفرّقت ما بيننا السبل
فأنا على حبي وفي خجل
روحي إلى عينيك تبتهل
إني إلى صنعاء يحملني
وجه النهار وترحل الأصل
فمتى تظللني مآذنها
ويضيء من أحضانا الجبل
لم يبق في الأيام من سعة
حان الرحيل ونوّر الأجل
أأموت يا ( صنعاي ) مغترباً
لا الدمع يدنيني ولا القبل
تقع مدينة صنعاء بين جبلين مشهورين هما : نقم الذي يسورها من الشرق وعيبان الذي يسورها من الغرب والجنوب الغربي وعلى خط عرض 15.22 وخط طول 32.44 وهي قديمة الإختطاط أزلية البناء يقال أنها أول مدينة بنيت بعد الطوفان والباني لها سام بن نوح . ويرى بعض المؤرخين أنها تقع " عند ملتقى ثلاث قبائل وهي : " بني الحارث " من الشمال و " سنحان " من الجنوب و " بني مطر " من الغرب .
ويؤكد أبن المجاور ( أن شيت بن آدم عليه السلام بنى مدينة صنعاء وغرس بظاهرها بستانين أحدهما أيمن الدرب والثاني أيسره ، وهما بطول من صنعاء
إلى العراق مسيرة سبعة أيام ولتأسيس صنعاء حادثة تاريخية تتفق عليها
المصادر التاريخية التي تؤرخ لها ، تذكر : أنه لما توفي نوح عليه السلام
أجتوى أبنه سام السكنى في أرض الشمال وإصابه ألم فأقبل طالعاً في الجنوب
يرتاد أطيب البلاد حتى صار إلى اليمن فوجده
أطيب مسكناً خفيف الماء معتدل الأرض وحين نزل صنعاء زال عنه الألم
وحينئذٍ وضع مقرانه " وهو الخيط الذي يقدر به البناء إذا مدّه بموضع
الأساس من ناحية
فج عطان في غربي حقل صنعاء مما يلي عيبان فبنا الظبر ، فلما أرتفع بعث
الله طائراً فأختطف المقرانه وطار بها وتبعه سام لينظر أين وقع فأم بها
إلى جبوب النعيم من سفح نقم فوقع بها ، فلما أرهقه طار بها فطرحها على حرة غمدان ، فلما قرت المقرانة على حرة غمدان علم سام أن قد أمر بالبناء هنالك فأسس غمدان ، وأحتفر بئرة وتسمى كرامة وهي سقاً إلى اليوم وصعد على جبل نقم وقال لأهله وأشياعه وأتباعه : ليعمر كل منكم مسكناً يسكنه : فعمرت الخلق المساكن فرجعت مدينة طولها وعرضها مسير سبع فراسخ .
ويقول الهمداني : هي أم اليمن وقطبها لأنها في وسط منها ما بينها وبين عدن كما بينها وبين حد اليمن من أرض نجد والحجاز ، وكان أسمها في السابق آزال وكان من أشهر مبانيها قصر غمدان أول قصور اليمن وهو قصر كان بديع الصنعة شامخ البنيان أعجبها ذكراً وأبعدها صيتاً وهو في صنعاء كان مكوناً من عشرين سقفاً , وكان فيها بين كل سقفين عشرة أذرع ، وكانت غرفة الرأس العليا مجلس الملك اثنتي عشرة ذراعاً عليها حجر من رخام ، وكان في زواياه الأربع أربعة أسود من نحاس
أصفر خارجة بدروها فإذا هبت الرياح في أجوافها زأرت كما يزأر الأسد ،
وكانت حمير تنزله وتزيد فيه حتى أخرب في أيام عثمان بن عفان . ويرى أبن
المجاور : أن أول من ابتدأ في بنائه سام بن نوح لما بنا صنعاء ويقال : سليمان بن داود عليهما السلام لما دخل اليمن يتزوج الملكة بلقيس وكانت التبابعة من ملوك حمير لهم رغبة نفسية وهمة عالية في عمارته ، وكل ملك منهم كان يعلي قصراً على قصر حتى أرتفعت تلك القصور أثنتين وسبعين سقفاً ويقال ثلاثة وتسعين سقفاً ،وآخر من بنى به أسعد الكامل ويقال أسعد الخزاعي قصر من زجاج وهو الخاتمة ، ويقال أن أواخر
فيء قصر غمدان كان يصل إلى وادي ظهر وهي مسافة فرسخ زائد لا ناقص قال ابن
المجاور : إذا قربت الشمس للغروب لأن في مثل ذلك الحين يكون الظل و الفيء
إلى أن يرجع مثل الشيء ثلاث أربع مرات ، وممن بنا فيه إمرأة تسمى الزباء .
هذه الصورة بحجم اخر انقر هنا لعرض الصورة بالشكل الصحيح ابعاد الصورة هي 800x500. |
تسمية صنعاء ونسبها :
لم يكن أسم صنعاء معروفاً به في العصور القديمة ، فقد نسبت إلى مؤسسها سام
بن نوح ، وكان يطلق عليها في الجاهلية أسم آزال نسبة إلى آزال بن يقطن ،
وظلت تسمية آزال حتى دخلها الأحباش سنة 340 للميلاد وكان كلامهم يقولون :
صُنعت وصَـنَعت . وتذكر المصادر الأثرية بأن أسم صنعاء أتى مع دخول الأحباش
الذين وجدوها مبنية بحجارة حصينة فقالوا :
هذه صنعة ومعناها حصينة فسميت صنعاء بذلك . وهناك من ينسبها إلى صنعاء بن يقطن بن العبير بن عامر بن شال . وقد تخطت ثلاثة أطوار في عصور مختلفة : الأول طور التكوين ، وسميت باسم بانيها سام بن نوح ، الطور الثاني سميت آزال محتفظة باسمها الأول والطور الثالث باسم صنعاء وقد احتفظت بالأسماء الثلاثة .
هذه الصورة بحجم اخر انقر هنا لعرض الصورة بالشكل الصحيح ابعاد الصورة هي 800x499. |
سور صنعاء وأبوابها :
ما تزال الحكايات الصنعانية عن سور صنعاء مروية حتى يومنا هذا ... وتذكر المصادر أن من أدار سورها الملك الأغر علي بن محمد ابن علي المعلم الصليحي بالحجر والجص وركب عليه سبعة أبواب باب غمدان ينفذ إلى اليمن وباب دمشق ينفذ إلى مكة ، وباب الشيخة ينفذ إلى محلة الشيخة ، وباب خندق الأعلى يدخل منه السيل ، وباب خندق الأسفل يخرج منه السيل يسقي الأرض ، وباب النصر ينفذ إلى جبل نقم وبراش ، وباب شرعة وينفذ إلى بستـان السّر.
وتذكر بعض الروايات أن السور ينسب إلى الملك ( شعرم أوتر ) وهو أول من
أداره وقد جعل فيه تسعة أبواب وأن أعلى السور كانت تمشي فيه ثمانية خيول
مجتمعة كما شاهد ذلك الرحالة الإيطالي في القرن التاسع الهجري ولم تقف
الروايات عن سورها وأبوابه عند هذا الحد بل ذهبت إلى أن ( شعرم أوتر ) هو الذي أوصل
بنيات القصور وأحاط على صنعاء بحافظ ، وقد تعرض للخراب مراراً أحدهما على
يد يوسف بن يحيى بن أحمد الناصر بن الإمام الهادي وقد إعادة قيس الهمداني
، كما أن السلطان حاتم بن أحمد اليامي من أعيان المئة السادسة أمر بهدمه أثناء حروبه مع الإمام أحمد بن سليمان ، فلما جاء السلطان ( طغتكين بن أيوب ) إلى اليمن أعاده وأدخل الحي الذي استحدثه لنفسه وأهله وحاشيته ومنه
بستان السلطان المعروف اليوم ، وقد أخربها ( المتطرّف ) عبدالله بن حمزة
المتوفى سنة 614 هـ . و تذكر المصادر المتأخرة بل المعاصرة أن ستة أبواب
كانت بصنعاء وهي المعروفة بيننا اليوم وهي : باب ستران ، وباب اليمن ( وكان ملتوياً فلا يرى الخارج منه
شاكلة باب مدينة زبيد الموجود ) وقد هدمه أحمد فيضي باشا القائد العثماني
سنة 1316هـ وأعدا بناؤه على ما هو عليه اليوم وباب السبحة . وكان في هذا
السور عدد كبير من
الأبراج متساوية المسافة وكان في وسط السور ممر لفارسين يمشيان معاً ،
وكان يستعمل – أحياناً – لعربات المدافع عند الحاجة لحماية العاصمة ويذكر
لنا القاضي محمد بن علي الأكوع الحوالي ، أن أبواباً قد أحدثت على ما ذُكر
وهي : باب القصر ، باب البلقة ، وباب الروم ، وباب القاع ، وقد أحدثت
حينما بني حي بير العزب ويعيد ذلك إلى القرن الثاني عشر الهجري أو قبله .
الأسواق والحرف :
تعددت الأسواق في صنعاء بتعدد الحِرف والمهن التي احترفها سكانها ونظراً
لتعددها فقد ذكرت بعض الروايات بأن صنعاء سميت بهذا الأسم لكثرة الصناعات
فيها وقد سميت هذه الأسواق بأسماء الصنعة التي تزاول في المكان وهي كما يلي
:- 1) سوق المحدادة 2) سوق المنجارة 3) سوق المنقالة
4) سوق البشامق 5) سوق السراجين 6) سوق العنب 7) سوق الكوافي سوق
الأقطاب ( أقطاب المدايع ) 9) سوق المراقعة 10) سوق المدايع 11) سوق القص
12) سوق السلب 13) سوق المبساطة 14) سوق البز 15) سوق المعطارة 16) سوق
الحب 17) سوق اللقمة ( الخبز) 18) سوق السمن 19)
سوق القات 20) سوق المصباغة 21) سوق المخلاص (الفضة) 22) سوق الزبيب 23)
سوق النظارة ( يباع فيه السليط ، القاز ، والحناء ، والقرض) 24) سوق
الفتلة 25) سوق المدر والأوطفة 26) سوق الحمير 27) سوق البقر 28) سوق الحطب 29) سوق النحاس 30) سوق الملح .
وهذا سوق الفضه
هذه الصورة بحجم اخر انقر هنا لعرض الصورة بالشكل الصحيح ابعاد الصورة هي 688x479. |
هذه الصورة بحجم اخر انقر هنا لعرض الصورة بالشكل الصحيح ابعاد الصورة هي 687x486. |
هذه الصورة بحجم اخر انقر هنا لعرض الصورة بالشكل الصحيح ابعاد الصورة هي 700x525. |
هذه الصورة بحجم اخر انقر هنا لعرض الصورة بالشكل الصحيح ابعاد الصورة هي 687x484. |
سوق النحاس
هذه الصورة بحجم اخر انقر هنا لعرض الصورة بالشكل الصحيح ابعاد الصورة هي 688x472. |
سوق الجنابي
هذه الصورة بحجم اخر انقر هنا لعرض الصورة بالشكل الصحيح ابعاد الصورة هي 687x482. |
سوق الحبوب والبهارات والزبيب
هذه الصورة بحجم اخر انقر هنا لعرض الصورة بالشكل الصحيح ابعاد الصورة هي 683x483. |
العقيق اليماني ..بألوانه الزاهية
هذه الصورة بحجم اخر انقر هنا لعرض الصورة بالشكل الصحيح ابعاد الصورة هي 684x482. |
هذه الصورة بحجم اخر انقر هنا لعرض الصورة بالشكل الصحيح ابعاد الصورة هي 681x480. |
صنعاء ... عاصمة
• عبر العصور كانت صنعاء وما زالت عاصمة محورية لأرض اليمن السعيد فكانت عاصمة للملك ( شعرم أوتر ) في القرن الثاني الميلادي الذي وحّد قصرا : سلحين في مأرب وغمدان في صنعاء في قصر واحد ( بمعنى أنه وحد حكم جهتين يمنتين في دولة واحد ) فقد كان قصر سلحين قصراً للعائلة التقليدية الحاكمة في مأرب ، إبان الصراع على اللقب الملكي اليمني ملك سبأ وذي ريدان ( أي ملك سبأ وحمير ) كما كان قصر غمدان في صنعاء مقراً للملوك من قبيلة ( ذي جرة ) ومحلها اليوم سنحان قرب جبل كنن .
• وتكرر هذا التوحيد في ذكر القصرين – في النقوش – غمدان وسلحين في منتصف القرن الثالث الميلادي في عهد الملك ( إلى شرح يحصب ) ملك سبأ وذي ريدان وكان ذكر صنعاء وجميع المدن اليمنية
الأخرى قد أزيح إلى الظل عند قيام دولة حمير الكبرى واتخاذها مدينة ظفار
قرب قاع الحقل عاصمة لها في عهد الملك الحميري أسعد الكامل وهو أحد موحدي
اليمن وإن تغيرة العاصمة .
هذه الصورة بحجم اخر انقر هنا لعرض الصورة بالشكل الصحيح ابعاد الصورة هي 800x499. |
• ثم أتخذها ابرهة الحبشي عاصمة لدولته ، وبنى بها كنيسة القليس وزينها بالرخام والفسيفساء وأراد نقل الكعبة ليحج إليها العرب .
• وبعد خروج الاحباش أصحبت صنعاء عاصمة للملك سيف بن ذي يزن أحد موحدي اليمن وقد وفد إلى صنعاء وفد وجوه قريش برئاسة عبدالمطلب جد الرسول العربي العظيم محمد صلى الله عليه وسلم لتهنئته بالظفر على الأحباش .
• وفي العهد الاسلامي توفرت لصنعاء الشروط الاساسية لاقامة مجتمع حضري بكل أدواته من :
جامع ، ومدرسة ، وحمام ، وسوق ، ومعمار جميل وأدب جيد وظرف حسن وسماع
(شعر) مشهور عرف بعد ذلك بالغناء الصنعاني وفي الوقت نفسه حافظت على مكانت
ماضيها فانتعشت اسواقها التقليدية واشتهرت بتنوع بضاعتها وجودة صنعتها ،
وحرص حكامها على مكانتها السياسية فاتخذت مقراً لهم وحاضرة لدولهم .
هذه بقايا القليس وهي الكنيسة التي بناها وزينها في اليمن أبرهة الحبشي ليحج إليها العرب بدلا من الكعبة
هذه الصورة بحجم اخر انقر هنا لعرض الصورة بالشكل الصحيح ابعاد الصورة هي 684x481. |
• وكانت صنعاء عاصمة إقليم اليمن في العصر العباسي ففي عام 140هـ قدم إلى اليمن / معن بن زائدة والياً على اليمن واتخذ من صنعاء عاصمة لحكمة وعين أحد قرابته نائباً عنه بحضرموت .
• كما اتخذها حماد البربري عاصمة له بعد أن هزم الهيصم بن عبد الرحمن الهمداني في تهامة ووصل إلى صنعاء التي كانت عاصمة ولات بني العباسي ووحدت اليمن على يد المتوكل على الله اسماعيل بن القاسم الرسي 1054-1087هـ من حدود عمان حتى نجد وطوّق الحرمين .
• وحين كان الصراع بين المد السلفي والإشراف في جازان وأبي عريش أواخر عام 1215 وأوائل 1216هـ كانت صنعاء عاصمة للأمام المنصور على بن عباس ، ونزح إليها الشريف حمود بن محمد آل خيرات هرباً من الدعوة السلفية مثله مثل كثير من الإشراف الذي ضاقت بهم مكة والمدينة المنورة ، ويذكر د / سيد أن الإشراف آل القطبي كانوا جميعاً يستمدون شرعيه حكمهم من إمام صنعاء باعتبار أن الأقليم جزء من اليمن ، وقد تسلم الشريف حمود بن محمد آل خيرات المشهود بأبي مسمار الحكم في أبي عريش مركز المخلاف السليماني من قبل الامام المنصور إمام صنعاء .
• وفي بداية القرن العشرين آلة صنعاء عاصمة للإمام يحيى بعد أن سلمها أليه الاتراك عند رحيلهم بعد الحرب العالمية الأولى حيث فضل الاتراك تسليم اليمن
للإمام يحيى بدلاً عن الانجليز الذين كانوا يحتلون عدن ، وقد دعى الوالي
العثماني على سعيد باشا الامام إلى دخول صنعاء وسلمه قصر غمدان وما يحويه من معدات عسكرية .
العمارة والهوية
ومن مزايا المنازل الصنعانية تشابه تخطيطاتها إلى حد كبير من حيث
التقسيمات الداخلية ومساحات الوحدات ومسمياتها ووظائفها، كما تتميز
باستخدام مادة الحجر في بناء الأساسيات والطابقين الأرضي والأول؛ لتحمل الضغط الواقع عليهما من الطوابق العلوية، وكذلك لمقاومة السيول والرطوبة؛ نظرًا لكثرة أمطار اليمن، وتصميم واجهات الدور بما يناسب حركة الشمس.
وقسمت المدينة القديمة إلى حارات (أحياء) تضم كل واحدة مجموعة من المنازل، يتوسطها بستان كمتنفس للسكان ومصدر للخضراوات.
وكان لصنعاء سور منيع
وأبراج محصنة، وما تزال بعض أجزائه قائمة، وكان به أربع بوابات رئيسية
يتم غلقها كل ليلة بعد صلاة العشاء إلى الصباح، وما يزال باب اليمن في أحسن حالاته.
ولهذا أصبحت صنعاء القديمة ملكًا للإنسانية وتهتم لأمرها المنظمات الدولية المتخصصة؛ حيث أعلنتها اليونسكو محمية عالمية، وشكلت لجنة دولية للحفاظ عليها، ودعمت إقامة العديد من المشاريع والمدارس والمعاهد الفنية التي تهدف لتخريج فنيين متخصصين في الحفاظ على هوية المدينة ومعالمها الأصلية.
هذه الصورة بحجم اخر انقر هنا لعرض الصورة بالشكل الصحيح ابعاد الصورة هي 720x540. |
*
هذه الصورة بحجم اخر انقر هنا لعرض الصورة بالشكل الصحيح ابعاد الصورة هي 800x500. |
*
الديوان الصنعاني من الداخل
وقد تولت منظمة اليونسكو ترميم بعض البيوت التي تساقطت واجهاتها بفعل عوامل التعرية، وتمت تكسية الشوارع بالأحجار ضمن الحملة الدولية لحماية صنعاء القديمة.
ومن جانبها، أصدرت الحكومة اليمنية قانونًا يحرّم تشويه المدينة بالأبنية الخرسانية.
ولهذا لم يكن غريبًا أن يتم اختيار صنعاء القديمة ضمن أهم خمسة وعشرين معلمًا أثريًّا وسياحيًّا في العالم؛ لتختار منها عجائب الدنيا السبع الجديدة للألفية الثالثة
صنعاء في خلد الشعراء :
ما كان لشاعر وطأت قدماه صنعاء إلا أن يبوح بما نفخت فيه من روحها فأخرجه خلجات من السحر الجميل المسمى شعراً معجونا ًبأنفاسها الأريجية ، وعبر العصور المتعاقبة منذ عهد التبابعة الحميريين إلى عصرنا الحاضر ، فهذا الملك التبع يقول :
دارنا الدار ما ترام اهتضاما : من عدو ودارنا خير دار
إن قحطان إذا بناها : بين برية وبين بحار ( جبال )
إن آثارنا تدل علينا : فأنظروا بعدنا إلى الآثار
وقال الشاعر عدي بن زيد الحيري العبادي وهو شاعر قديم :
ما بعد صنعاء كان يعمرها : ولاة ملك جزل مواهبها
رفعها من بنى قزع المز : ن وتتدلى مسكاً محاربها
محفوفة بالجبال دون عر : ي الكائد ما يرتقي غواربها
كما قال الشاعر الصنعاني عبدالرحمن بن محمد الحيمي :
صنعاء إن كنت معشوقاً يمسكنها : فأعدد لها من دوات الحاء مارسما
حِبُ وحَبُ ُوحمام مع حطب : حصيرة وحمار حِرْفةَّ وحما
وقال أبو نواس :
فنحن أرباب ناعط ولنا : صنعاء والمسك في محاربها
وقال الشاعر أبو بكر محمد بن أفنونة :
حبذا أنت يا صنعاء ، من بلد : وحبذا عيشك الفض الذي اندرجا
ارض كأن ثرى الكافور تربتها : وماؤها الرّاح بالماء الذي مرجا
يهدي إلى الشم أنفاس الرياح بها : ما هبّت الريح فيها العنبر الأرجا
ولعل شعراء الحميني أكثر الشعراء تغزلاً بصنعاء وهوائها ومسكنها وما زالت قصائدة متداولة بين الناس منذ قرنين من الزمان ولعل أحمد بن حسين المفتي كان رائد أولئك الشعراء في وصف صنعاء بقوله :
ما مثل صنعاء اليمن كلا ولا أهلها
صنعاء حوت كل فن يا سعد من حلها
ينفي جميع الشجن ثلاث في سفحها
الماء وخضرة رباها الفايقة بالوسامة
وكل معنى حسن كم يضحك الزهر
فيها من بكاء الغمامة : فيا سقاها وطن
وهذا الشاعر علي بن محمد العنسي المتوفى 1139هـ - 1736م يهيم بصنعاء ساعياً على الرأس إلى تلك المحبوبة الفاتنة قائلاً :
يا أحبة ربى صنعاء رعى الله صنعاء
كيف ذاك الربى لازال للغيد مرعى
لويقع لي إليه أسعى على الرأس لأسعى
يابروحي نجح روحي بلابل وأشجان
ليت شعري متى شالقي عصاة المسافر
وأي حين شايعود لي عيش قد كان نافر
وأي حين شاتخطر بين تلك المناظر
هو قريب ذا على الله أن يقل له يكن كان
أما الشاعر القاضي عبدالرحمن الآنسي فقد نفذ من خلال صنعاء إلى ذكر سكانها فقال :
عن ساكني صنعاء حديثك هات وافوج النسيم
وخفف المسعى وقف كي يفهم القلب الكليم
هل عهدنا يرعى وما يرعى العهود إلا الكريم
وسرنا مكتوم لديهم أم معرض للظهور
تبدلوا عنّا وقالوا عندنا منهم بديل
والله ما حلنا ولا ملنا عن العهد الأصيل
ما بعدهم عنا يغيرنا ولو طال الطويل
وما كان لعصر من العصور أن يمضي إلا وقد وضع شعراؤه على صدر صنعاء قلائد من اشعارهم ومن أهم شعرائنا المعاصرين الذين وضعوا قلائدهم على صنعاء الشاعر الدكتور / عبدالعزيز المقالح الذي خصها بديوان كامل من قصائده المبكرة عن صنعاء. وهو بعيد عنها نختار قوله :
يوماً تغني في منافينا القدر:
( لا بد من صنعاء وإن طال السفر )
لا بد منها .. حبنا .. أشواقها:
تدوي حوالينا : إلى أين المفر؟
إنا حملنا حزنها وجراحها
تحت الجفون فأورقت وازكى الثمر
وبكل مقهى قد شربنا دمعها
الله ما أحلى الدموع وما أمر
وعلى المواويل الحزينة كم بكت
أعماقنا وتمزقت فوق الوتر
ولكم رقصنا في ليالي بؤسنا
رقص الطيور تخلعت عنها الشجر
صنعاء وإن أغفت على أحزانها
حيناً وطال بها التبلد والخدر
سيثور في وجه الظلام صباحها
حتما ويغسل جدبها يوماً مطر
ومن مقتطفات لنفس الأديب في قصيدة اخرى عام 1972م :
للحب فوق رمالها طلل
من حوله نبكي ونحتفل
نقشته كف الشوق في دمنا
وطوته في أعماقنا المقل
هو حلمنا الباقي ومعبدنا
وصلاتنا والحب والغزل
من أجلها تصفو مودتنا
ولحبها نشقى ونقتتل
صنعاء يا أنشودة عبقت
وأجاد في إنشادها الأزل
إن أبعدتي عنك عاصفة
وتفرّقت ما بيننا السبل
فأنا على حبي وفي خجل
روحي إلى عينيك تبتهل
إني إلى صنعاء يحملني
وجه النهار وترحل الأصل
فمتى تظللني مآذنها
ويضيء من أحضانا الجبل
لم يبق في الأيام من سعة
حان الرحيل ونوّر الأجل
أأموت يا ( صنعاي ) مغترباً
لا الدمع يدنيني ولا القبل